يعتبر قسم مناقشة المقالات السابقة أو ما يسمى مراجعة الأدبيات عبارة عن دراسة المصادر العلمية المكتوبة سابقًا حول موضوع معين. يوفر نظرة عامة على المعرفة الحالية، مما يسمح لنا بتحديد النظريات والأساليب والفجوات المرتبطة بالبحث الحالي. قد تشمل المصادر التي تتضمنها المراجعة المقالات العلمية والكتب والتقارير ومواقع الويب وما إلى ذلك. توفر مراجعة الأدبيات ملخصًا لكل مصدر، لكنها لا تقتصر على تلخيص المصادر فحسب، بل يجب أن تتضمن تحليلًا وتقييمًا ناقدًا لإعطاء صورة واضحة عن الحالة المعرفية حول الموضوع المدروس.
أهمية قسم مراجعة الأدبيات
عندما تشرع في كتابة أطروحة الماجستير أو رسالة الدكتوراه، أو حتى ورقة بحثية عادية، سيتوجب عليك إجراء مناقشة للمقالات السابقة، للأسباب التالية:
- تقدم لك مراجعة الأدبيات فرصة لعرض مدى إلمامك بالموضوع وسياقه العلمي.
- تطوير إطار العمل النظري ومنهجية البحث.
- يمكنك من خلالها إظهار كيف كان لبحثك القدرة على سد الفجوة المعرفية والإسهام بشيء جديد.
في بعض الحالات، قد لا تكون مراجعة الأدبيات جزءًا من بحث ما فقط، وإنما تكون مهمة منفصلة تمامًا، عندها تكون نوعاً من الدراسات التي تعنى بتقييم ما سبق من أبحاث حول موضوع ما وتلخيصها ونقدها.
مراحل كتابة قسم مراجعة الأدبيات
المرحلة الأولى: البحث عن الأدبيات المرتبطة بموضوع بحثك
قبل أن تبدأ البحث، عليك أن تعرِّف مشكلة بحثك بوضوح والمصطلحات (الكلمات المفتاحية) والأسئلة المتعلقة بها. أنشئ قائمة بالكلمات المفتاحية المتعلقة بسؤالك البحثي، متضمنة كل المفاهيم الرئيسية أو المتغيرات ذات الصلة، وقائمة بجميع المصطلحات الرديفة. وأضف كل كلمة أو مصطلح تكتشفه أثناء بحثك عن الأدبيات.
استخدم أدوات الفلترة والدالات المنطقية لتضييق عدد النتائج التي ستظهر لك، يمكنك استخدام (AND) لتجد مقالات تحوي على أكثر من كلمة مفتاحية، مثل: (social media AND body image AND generation Z). استخدم (OR) لتجد مقالات تحوي إحدى المترادفتين، مثل: (generation Z OR teenagers OR adolescents). استخدم (NOT) لتستثني نتيجة تحتوي مصطلحًا ما، مثل: (apple NOT fruit).
في صفحة النتائج، اقرأ ملخص البحث أو الـ Abstract لتكتشف إذا ما كان هذا البحث مرتبطًا بسؤالك البحثي أم لا. إذا وجدت مصدرًا مفيدًا (كتاب، مقالة…) يمكنك تفقد قائمة المراجع التي اعتمد عليها المؤلف لتحصل على مصادر مفيدة ومرتبطة.
المرحلة الثانية: قيِّم واختر مصادرك
بالتأكيد لن تكون قادرًا على قراءة كل شيء قد كتب عن موضوع بحثك، لذلك عليك تقييم أهمية المصادر التي بين يديك وتحديد أهمها وأكثرها ارتباطًا بموضوعك. لتحديد أهم المقالات المنشورة حول موضوعك، دوِّن الاستشهادات المتكررة. إذا تكرر ظهور نفس المؤلفين أو الكتب أو المقالات أثناء قراءتك، فيجب عليك البحث عنها فهي مهمة غالبًا.
يجب أن تسأل نفسك عندما تهم بقراءة مصدر ما، ما السؤال البحثي أو المشكلة التي يتناولها المؤلف؟ ما هو المفهوم الرئيسي وكيف عرَّفه؟ ما هي النظرية الأساسية أو النموذج أو المنهجية التي اعتمدها؟ هل استخدم الباحث إطارًا سابقًا أم اعتمد منهجًا مبتكرًا؟ ما نتائج هذه الدراسة؟ كيف أثرت هذه الدراسة في الأدبيات السابقة؟ هل نفت أم أكدت نتيجة سابقة؟ هل أضافت أم تحدت معرفة ثابتة؟ ما هي نقاط قوتها وضعفها؟
كل هذه الأسئلة وغيرها تقودك إلى تحديد أهمية المصدر الذي بين يديك. كما يمكنك الاستعانة بعدد الاقتباسات، فكلما كانت الدراسة لها عدد اقتباسات أكثر كلما كانت أكبر تأثيرًا في المجال الذي تبحث فيه.
دون ملاحظاتك واقتباساتك، فالبدء بعملية الكتابة يتزامن مع عملية القراءة. دون الملاحظات والإضافات التي تود تضمينها لاحقًا في مراجعتك. ومن المهم جدًا أن تسجل جميع الاستشهادات للمصادر التي استخدمتها تقصيًا للأمانة العلمية وتجنبًا للسرقة الأدبية.
المرحلة الثالثة: حلل وحدد الاتجاهات والأنماط والفجوات
لتعزيز حججك وبيّناتك، تحتاج إلى فهم الروابط والعلاقات بين المصادر التي قرأتها. بناءً على قراءتك وملاحظاتك، يجب أن تبحث عن:
- الاتجاهات والأنماط: هل تصبح بعض المقاربات والطرق أكثر أو أقل شيوعًا بمرور الوقت؟
- السمات: ما هي الأسئلة أو المفاهيم التي تكررت في الأدبيات؟
- النقاشات والتناقضات: أين تختلف المصادر؟
- الدراسات الهامة: هل هناك أي نظريات أو دراسات ذات تأثير كبير في المجال؟
- الفجوات: ما هو النقص الموجود في الأدبيات الحالية؟ هل هنالك نقاط ضعف تحتاج إلى معالجة؟ هذه النقطة أساسية في آخر قسم الأبحاث السابقة لأنها تسلط الضوء على الفجوة الموجودة بالأبحاث السابقة وتفتح للباحث المجال لطرح فكرة بحثه التي من المفروض أن تعالج هذه الفجوات ومن ثم سرد الإضافة التي يقدمها بحثه في المجال المعني.
ستساعدك هذه الخطوة في تحديد الهيكلية الخاصة بالمراجعة وإظهار كيفية مساهمة بحثك في تطور المعرفة الحالية.
المرحلة الرابعة: حدد هيكلية المراجعة
يوجد عدد من الطرق والأساليب لتنظيم متن للمراجعة الأدبية. يجب أن يكون لديك فكرة عن استراتيجيتك قبل البدء في الكتابة. نذكر هنا بعض الاستراتيجيات والطرق:
-
التسلسل الزمني (ترتيب حسب الزمن)
أبسط نهج هو تتبع تطور الموضوع بمرور الوقت. ومع ذلك، إذا اخترت هذه الطريقة، فاحرص على تجنب مجرد سرد وتلخيص المصادر. حاول تحليل نقاط التحول والمناقشات الرئيسية وقدم تفسيرك لكيفية حدوث هذه التغيرات.
-
الطريقة الموضوعية (ترتيب حسب الموضوع)
يمكنك تنظيم مراجعة الأدبيات في أقسام فرعية تتناول جوانب مختلفة من الموضوع. على سبيل المثال، إذا كنت تراجع الأدبيات حول عدم المساواة في النتائج الصحية للمهاجرين، فقد تشمل المواضيع الرئيسية سياسة الرعاية الصحية، والحواجز اللغوية، والمواقف الثقافية، والوضع القانوني، والوضع الاقتصادي…
-
الطريقة المنهجية (ترتيب حسب المنهجية المستخدمة)
إذا استخلصت مصادرك من مجالات مختلفة تستخدم مجموعة متنوعة من أساليب البحث، قد ترغب في مقارنة النتائج والاستنتاجات التي تنبثق من منهجيات مختلفة.
المرحلة الخامسة: ابدأ كتابة مراجعتك
كأي نص أكاديمي آخر، يجب أن تحتوي مراجعة الأدبيات على مقدمة وعرض وخاتمة.
- المقدمة: يجب أن تحدد المقدمة بوضوح الغرض من مراجعة الأدبيات. ركز على سؤال البحث وقدم ملخصًا موجزًا للسياق الأكاديمي، أو سلط الضوء على فجوة في الأدبيات.
-
العرض: اعتمادًا على طول مراجعة الأدبيات، يمكن تقسيم العرض إلى أقسام فرعية. يمكن استخدام عنوان فرعي لكل موضوع أو فترة زمنية أو مقاربة منهجية.
أعط لمحة عامة عن النقاط الرئيسية لكل مصدر واجمعها في شكل متماسك. قدم تقييمًا ناقدًا، اذكر فيه نقاط القوة والضعف في مصادرك. أضف تفسيرك الخاص قدر الإمكان، تجنب استخدام جمل غيرك من الباحثين، وناقش أهمية النتائج فيما يتعلق بالأدبيات ككل. اكتب فقرات منظمة، وضح من خلالها الارتباطات والمقارنات والتباينات.
- الخاتمة: يجب تلخيص النتائج الرئيسية التي توصلت إليها من الأدبيات والتأكيد على أهميتها.
نصائح لتحرير وكتابة قسم مراجعة الأدبيات
- لا تبالغ في استخدام الاقتباسات: استخدم علامات التنصيص بحكمة، استخدمها لتسليط الضوء على فكرة معينة للتأكيد على النظرية أو الموضوع الذي تطرحه.
- بدلًا من علامات التنصيص، أعد صياغة الجمل والأفكار بمفرداتك الخاصة وفهمك للعبارة أو المقطع الذي تريد تضمينه. أظهر للقارئ أصالة تفكيرك وتحليلك.
- عليك بتلخيص النقاط المهمة فقط للقارئ، ليس عليك إعادة صياغة كل كلام المؤلف! لكن تأكد من التعبير عن آراء المؤلف ومعلوماته بدقة.
- لا تنسى أن تذكر المصادر التي اقتبست منها حتى تتجنب السرقة الأدبية. يمكنك القراءة عن المصادر من هذا المقال الذي أعددناه لك أهم المصادر العالمية للمقالات العلمية.
- أثناء جمع المصادر وبعد الإشارة إليها بمحتوى مقالك احرص على حفظها بملف، لتقوم بإضافتها بقائمة المراجع بنهاية المقال
- كن منظمًا، انتقي المواضيع التي ستتناولها بعناية، رتبها ونظمها بشكل يعين القارئ على فهمها. كما ذكرنا في بداية مقالنا هذا، المراجعة الأدبية تتبع شكل الأوراق العلمية، مقدمة مختصرة تعطي فيها لمحة عن موضوع وهدف المراجعة، عرض يحتوي المصادر التي تناقشها والتي تكون مرتبة زمنيا أو موضوعيا أو منهجيا، ثم خاتمة تلخص فيها ما وصلت إليه وما توصي به.
- صغ الجمل بشكل واضح ومباشر، وحاول التركيز على النقاط الأكثر أهمية وارتباطًا بموضوع مراجعتك، وتجنب التشعب! أي كن انتقائيًا ومختصرًا ما أمكنك. إن كنت تكتب مراجعة أدبية كجزء من ورقة علمية مثلًا، يجب ألا تتجاوز عددا معينًا من الصفحات أو الكلمات (تحدد دور النشر هذا العدد).
- في نهاية عملك على المراجعة، راجع ما كتبت مرارًا وتكرارًا، كلما راجعتها أكثر كلما كانت مثالية أكثر! ولا تنسى أخذ رأي شخص خبير.. فكما يقال: “نظران أفضل من نظر واحد”.
كما ذكرنا لكم سابقًا، مراجعة الأدبيات لها أهميتها سواءً كانت جزءاً من أطروحة أو عملاً مستقلًا، لذلك أتقن كتابتها بقراءة الكثير من المراجعات الأدبية السابقة.. فكما يقال: الكاتب الجيد هو قارئ جيد!